بعد نحو أربعين سنة من اعتماده لم يعد القانون رقم 011 / 78 الصادر بتاريخ 19 يناير 1978 والمتعلق بقوانين المالية يتماشى أو يتكيف مع البيئة الاقتصادية والمالية التي يطبعها التطور وتتطلب أقصى درجات الجودة والشفافية في التسيير العمومي. ونتيجة لذلك يبدو من الضروري وضع إطار مرجعي جديد.
تعرف على محمد الأمين ولد المعلوم
وهذا بالضبط ما دفع القائمين على الشأن المالي إلى استصدار القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية (LOLF) رقم 2018-039 بتاريخ 09 أكتوبر 2018 والذي يلغي ويحل محل القانون رقم 78-011 بتاريخ 19 يناير 1978 المتضمن القانون النظامي المتعلق بقوانين المالية وذلك قصد إصلاح الدولة إضافة إلى تجديد وتعزيز سلطات البرلمان في مجال المالية العامة.
إن قانون (LOLF) يحتوي على آليات إذا ما اعتبرت الشروط الأساسية لجعلها كافية ستؤدي إلى إصلاح الدولة.
وقبل الغوص في هذا الموضوع أرى أنه من الضروري أولاً تحديد ما تعنيه عبارة "إصلاح الدولة" لأنها نقطة أساسية، فعبارة "إصلاح الدولة" تعني دولة أكثر فاعلية وكفاءة ويتمثل إصلاح الدولة في بناء جهاز إداري يحقق الأهداف الموضوعة له، وقادر على تقييم نتائجه، وتصحيح مساراته إذا لزم الأمر.
وانطلاقا من هذه النظرة، تم تصميم أحكام قانون LOLF للحث على دولة أكثر كفاءة وبأقل تكلفة في خدمة المواطنين.
في الجمهورية الإسلامية الموريتانية ينص القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية 2018 – 039 في الفصل الثاني (المبادئ المتعلقة بالميزانية) من الباب الأول، في المادة الثانية (2) على أن الهدف من تسيير المالية العامة هو تحقيق الأهداف التالية:
- مبدأ الاقتصاد وهو اقتناء وسائل إنتاج الخدمة العمومية الجيدة بأفضل ثمن.
- مبدأ الفعالية وهو ضمان مطابقة النتائج للأهداف المحددة.
- مبدأ النجاعة وهو ضبط تكاليف إنتاج الخدمة العمومية.
العمومية من هنا يتبين بأن إصلاح الدولة يمر بالضرورة من خلال تحديث أدوات الميزانية والمحاسبة.
غيرت LOLF منظور التسيير العمومي، عن طريق استبدال التسيير الموجه نحو النتائج للتسيير التقليدي الموجه نحو الوسائل. ووفقًا لهذا المنظور، فإن الإدارات والوزارات تضع نفسها في خدمة أهداف السياسة العامة التي يجب عليها تحقيقها. والأدوات المصممة لوضع هذا التسيير الموجه نحو النتائج هي التي من المرجح أن تؤدي إلى إصلاح الدولة.
تتساءل جميع الإدارات الآن عن أهدافها وفعاليتها.
لتحقيق الأهداف الموضوعة لهم، سيتعين على جميع الإدارات إصلاح نفسها وكذلك هيكلتها بشكل مختلف ثم تجهيزها بأدوات جديدة. هذه هي الطريقة التي سيتقدم بها إصلاح الدولة.
(1)
إن العمود الفقري للتسيير العمومي في حلته الجديدة هو هيكلة ميزانية الدولة في إطار البرامج أي ميزانية البرامج. والبرامج هي مجموعة متناسقة من الأنشطة تمثل سياسة عمومية محددة في أفق متوسط المدى تابعة لنفس الوزارة أو المؤسسة
وترسم لهذه البرامج أهداف تقرر حسب أغراض المنفعة العامة والنتائج المتوقعة التي تقاس من خلال مؤشرات وتعرض ضمن مشروع سنوي للأداء تعده الوزارة أو الهيئة المعنية وتخضع هذه البرامج لسلطة مسؤولين يعينون وفقا للنظم المعمول بها.
إنه نظام جديد تمامًا لمسؤولية الميزانية. يتم تقسيم كل برنامج إلى ميزانيات البرامج التشغيلية، وتتضمن هذه الأخيرة الوحدات التشغيلية، وهي الروابط الأولى في الإبلاغ عن النتائج.
الشخص المسؤول عن البرنامج حر في استخدام اعتماداته: هذه هي التبادلية. يقال إنه "غير متماثل"، لأن المدير لا يمكنه مع ذلك زيادة ائتمانات الموظفين الخاصة به من خلال المدخرات التي يتم تحقيقها في العناصر الأخرى. تعد حرية المديرين ومسؤوليتهم ركائز الإدارة العامة الجديدة.
للبرنامج وجهان: بالإضافة إلى كونه عنصر مركزي في التسيير، فهو أيضًا وحدة التخصيص للاعتمادات في التفويض البرلماني. وبالتالي، فإن البرلمانيين مدعوون أيضًا إلى ترك الثقافة القديمة للوسائل لتبني منظور النتائج.
(2)
من المحتمل أن تؤدي LOLF إلى تحديث الدولة وهذا هو الحال مع أدوات المحاسبة: ونذكر على سبيل المثال: المحاسبة العامة للدولة حيث يتم تبني مبدأ الاعتراف بالحقوق أو الاستحقاق والالتزامات ومحاسبة الأصول وكذلك محاسبة المواد والغرض منها هو تنفيذ المحاسبة التحليلية المقصود بها تحليل تكاليف الأنشطة المختلفة المراد القيام بها في إطار البرامج.
(3)
وينطبق نفس الشيء أيضًا مع أدوات التسيير، حيث إن تنفيذ LOLF يفترض تعميم الرقابة التسييرية، بحيث يمكن لمديري البرامج والميزانيات التشغيلية للبرامج (BOP) والوحدات التشغيلية تتبع مسار خدماتهم نحو أهدافهم، وإذا لزم الأمر، تنفيذ التدابير التصحيحية اللازمة.
على المستوى السياسي، سيكون هذا الدور للبرلمان حيث سيتعين عليه مراقبة كل وزير وتقييمه بعناية، لا سيما أثناء فحص مشروع قانون التسوية.
(4)
أداة أخرى من الأدوات التي من الممكن أن تؤدي إلى عصرنة الدولة الا وهي تحديث التوظيف العام. يجب أن تسمح محاسبة جميع الوظائف التي تمولها ميزانية الدولة في "العمل المكافئ بدوام كامل" (ETPT) بتسيير ممتاز وفعال للتشغيل أو التوظيف العمومي.
ينبغي أن تؤدي مجموعة الآليات هذه إلى إصلاح الدولة ومع ذلك، لن تكون هذه العملية تلقائية بل قد يتطلب الأمر أن تكون هناك متطلبات سابقة.
يمكن تحديد ثلاثة شروط رئيسية لمساهمة LOLF في إنجاح إصلاح الدولة.
في البداية، يجب أن يكون هناك تغيير ثقافي عميق داخل الإدارات. لكي يحقق المديرون أهدافهم، يجب الحكم على المسؤولين الحكوميين بناءً على نتائجهم وتشجيعهم على تحسين أدائهم، وهذا يتطلب وضع حد لثقافات المظهر لصالح الكفاءة الرصينة والصدق والنتائج والشفافية. إداراتنا ليست معتادة على ذلك. تدريجيًا، يجب أن تتيح أدوات القياس المصاحبة لـ LOLF مكافأة الأداء، ليس بناءً على المزايا التي تم تقييمها ذاتيًا، ولكن على النتائج المقاسة بشكل موضوعي.
ثانيا، وفي العصر الحديث حيث سرعة المعلومة تعتبر عنصرا حاسما فإن تبني ووضع نظام معلوماتي متكامل أمر في غاية الأهمية ولذا يجب أن تكون أنظمة المعلومات شاملة. هذا تحد تقني ضخم. ونشير هنا إلى وجود عدة أنظمة كنظام التحضير للبرمجة الميزانية ونظام الرشاد لتنفيذ الميزانية بالإضافة الى أنظمة أخرى كالجباية .........الخ.
وأخيرا، وربما الأهم من كل ما سبق، أنها ستتطلب إرادة سياسية. فإننا ندرك جيدًا أن مفتاح نجاح LOLF في إصلاح الدولة هو في أيدي السلطة السياسية، وخاصة الحكومة، ومن الواضح أيضًا أنه إذا لم يستوعب ممثلو الشعب "النواب" مهمتهم الجديدة المتمثلة في التقييم والرقابة، فإن حافز الوزراء على تحسين أدائهم سيضعف.
نحن متفائلون بإن LOLF هو حجر الأساس لذا يجب علينا جميعًا، في السنوات القادمة أن نسعى جاهدين لتحسين أدواته وصقلها بالطريقة التي سيتم بها إصلاح الدولة من أجل تسيير عام أفضل وأكثر كفاءة في خدمة مواطنينا.
كما نشير هنا إلى أن نفس الشيء قد تساهم به أدوات النظام المالي المصرفي والدور البارز الذي يقوم به البنك المركزي الموريتاني وخاصة بعد تحديث نظامه الأساسي، القانون رقم 034 – 2018 المضمن النظام الأساسي للبنك المركزي بتاريخ 08 اغسطس 2018.
وختاما، فإنه بعصرنة أدوات السياسات الميزانية والنقدية تكون عناصر أدوات السياسة الاقتصادية قد تحققت خدمة للوطن والمواطن.
محمد الأمين ولد المعلوم
إداري مالي وخبير في المالية العمومية