سماه أبواه: سيدي بن المختار أمو؛ ولبابة بنت ببها "حمدا"، وكناه أبناؤه ومن في معناهم "حبا".. وكان حمدا وكان حبا..
حمدا بن سيدي بن المختار أمو (التاه) بن محمذن بن أحمد بن العاقل، كوكب علم أفل، وشمس عقل جنحت لغروب..
كان عاقلا، عالما، فاهما، وكان عقله يرفد نقله، وتلك ميزة شأى بها أقرانه، هم يعلمون علما، وينقلون نقلا، وهو يعلم علما، وينقل نقلا، ويعقل عقلا، ويبني من المقاصد والتأصيل ما يحكم به بناءه الإفتائي تحليلا وتأسيسا وتنزيلا وربطا..
كانت مهمة الشيخ حمدا كما قال ذات مرة، هي الترجمة بين الماضي والحاضر، بين التراث والواقع.
وبدلا من أن يزيد التراث بمؤلفات تضاعف كومة الورق في المكتبات، اتجه إلى الاستفادة من الجهد السابق واختصاره وتقريبه من القارئ المستعجل، وهكذا قام بجدولة الفقه الخليلي بطريقة مبسطة، وفعل نفس الأمر مع المنطق، وهو علم "عاقلي"، منذ أيام غديجة، وسار على نفس المنوال مع المتن الأصولي والبلاغي.
ثم اتجه إلى المقاصد يلخصها ويجدولها، ووقع اختياره على كتاب الموافقات للشاطبي، والموافقات كتاب جليل القدر في باب "بيان مقاصد الكتاب والسنة والحِكَم والمصالح الكلية الكامنة تحت آحاد الأدلة ومفردات التشريع والتعريف بأسرار التكاليف في الشريعة".
إلى ذلك كان حمدا فقيها مدنيا، بمعنى أنه ينظر للتنظيم والتقنين، حيث يقول إنه من بين اهتماماته موضوع "السلطة التقديرية"، معتمدا على رباعية القرافي في الفروق: المصلحة الخالصة والمصلحة الراجحة ورفع المضرة الخالصة ودفع المضرة الراجحة.
وانطلاقا من ذلك كان من قادة العلماء الذين وجهوا الدولة لقرار إلغاء الرق بداية الثمانينات، نتيجة فهمه الثاقب ورؤيته المستنيرة، حين ضاقت أفهام آخرين واعتبروا الأمر نوعا من "تعسف" الدولة.
حمدا، كان ميسرا لا معسرا؛ يراعي المبدأ الأصيل والركن الركين (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر..)، وهكذا كان كما يقول، في مقابلة سابقة: "أول من بادر إلى توجيه صناديق القرض والادخار "كابيك" للمحافظة على الأسلوب التجاري والربح بالطريقة الإسلامية، وهكذا أقبل الناس على هذه الصناديق حينما وجدوها شرعية، وبذلك مكنتْ الناس من الحصول على حاجتهم من قروض وودائع في ذات اللحظة التي مكنتْ فيها التاجر من الحصول على حاجته في الربح الحلال".
كما عمد إلى مراجعة بعض الفتاوى المالكية؛ التي تعتبر بعض المعاملات غير صحيحة مثل مراجعته دلالة "القبض" انطلاقامن تعريفه عند الأحناف، ومراجعته تعاريف بيوع العينة الممنوعة وبيوع العينة المباحة وأنواع التضرر التي تبيح الربا أو لا تبيحه وطرق التعامل مع الأجانب، وهل تنطبق عليهم معاملة غيرهم، مستفيدا من فكرة ما يعرف عند الفقهاء المالكيين بالاستحالة.
تمتع حمدا بمرونة وانفتاح وعلاقات واسعة مع مختلف الأطياف الموريتانية، وكان على الدوام شخصية جامعة.
رغم نزوعه إلى التيسير فيما لا حرج فيه، فقد كان أصوليا حرفيا في بعض المحطات التي تستوجب ذلك، من ذلك أن متصلة اتصلت به، وسألته هل يجوز لي أن أتناول أطعمة يجلبها أشخاص معينون لأختي، فأجابها بأن ذلك لا يجوز. الأمر ببساطة يتعلق بمبدأ سد الذريعة، والرجل مالكي، وإذا استمرأت السائلة أطعمة أختها، فإنها يمكن أن تتطور إلى مستخدمة أولى لتلك الأطعمة، ومقدمة "للخدمات" المشبوهة، عوض كونها مستفيدة غير مباشرة.
أريحية حمدا كانت صفة ملازمة له في كل الأوقات، أتاه مرة شابان، قال أحدهما: لقد فارقت أهلي مرتين، فقاطعه مرافقه: شيخنا.. فارقهم ثلاث مرات، فأردف الشاب الأول: المرة الثالثة كنت غاضبا جدا، فأجابه الشيخ: يا ولي ما كط امش حد عن بلو يظحك..
أما محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وفهمه العميق لسيرته، وإسقاطها على مراحل حياة المسلمين، وتنزيل الأحكام السلطانية انطلاقا من ذلك، فحدث ولا حرج.
وبالجملة، على حد عبارة صاحب الوسيط، فقد كان آية من آيات الله بحق وحقيقة، وكان حمدا، وكان حبا..
بقلم: محمد ناجي أحمدو