تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

البحث

عزف منفرد على وتر الفقد...

ودعت الرشيد الباكي هذا المساء بعد أن استقبلت التعازي فى قطعة مني رحلت عنا دون وداع.

ودعت الوادي الباكي؛ ويدي على قلبي وغصة فى الروح ونشيج يُقطع مناط قلبي؛ لكني لست الوحيد الذي لم يستطع كتم هول صدمة  هزت الوادي وأهله.

فى ساعة متأخرة من ليل اليوم الثاني من التعزية؛ سرقت الرجل الى بطحاء الرشيد؛ تأملت المشهد ؛ وجاء السؤال الصاعق واضحا؛ كيف سيبدو صباح الرشيد فى اليوم الموالي لرحيل الجبل الخامس الذي كان يحرس الرشيد الجديد منذ نشأته لا شك أن الجبال الأربعة الأخرى تشعر بهذا الفقد؛ فالطبيعة تشعر برحيل من يحلها!!.

  بدا القمر المضيئ الذي ينثر ضيائه على جنبات الوادي حزينا كوجوه أهل الرشيد الصابرين؛  اغرس قدمي في حبات الرمل الذهبية فى البطحاء فيدب الحزن فى أطرافي... أشعر به ينسحب تدريجيا فى باقي جسمي حتى يسيطر عليه من اخمص قدمي وحتى رأسي .


أذكر الله؛ اذكره بقلبي ...  فيطمئن قلبي .

تسلل الحزن سريعا الى الطبيعة فى المدينة التي أرتبط تاريخها المعاصر بالراحل؛ فمنذ تأسيس حاضرتها الجديدة ؛نهاية الستينات ،انبرى فتاها المتفرد بقيم مجتمعه لخلق مكان تحت الشمس لهذه المدينة التى اورثها المستعمر الكثير من الدمار .

ومع بوادر التجربة الديمقراطية فى موريتانيا  ترجم سكان المنطقة مشاعرهم اتجاه من منح حياته لهم فتوجوه عمدة لبلديتهم لعدة مأموريات استطاع خلالها أن يحقق النفاذ الى الخدمات الأساسية لبلدية ريفية تعتمد على اقتصاد الواحات .

واصل الراحل مشروعه السياسي ليدخل قبة البرلمان نائبا عن دائرة تجكجة وبعلاقاته الواسعة التى نسج خيوطها بالثقة والاحترام طيلة مساره السياسي الحافل واصل خدمة ولايته ومجتمعه حتى آخر نفس فى حياته البهية.


وهكذا ظل الراحل يتابع بكثير من الحب المفعم بالبساطة شؤون آلاف الأسر المنتشرة فى جميع ربوع موريتانيا؛ تارة بالسؤال عن أحوالهم وتذليل الصعاب التى تواجه اندماجهم فى جغرافياتهم السياسية الجديدة التى اضطروا الى الاستقرار فيها بسبب الجفاف الذي ضرب تگانت طيلة عقود صعبة.

 بدت  أكمام النخيل التى طالما غنى شعراء الرشيد بجمالها حزينة فى هذا المساء الحزين؛ فجأة انبجس صوت حفيف سعف النخيل رغم هبوب رياح خفيفة لم تستطع أن تُغري النخيل الواجم على جنبات الوادي بالحركة.

والآن أجلس فى بلدة لحرج ؛حيث اختار الراحل الإقامة فيها  واستطاع أن يوازن فيها بين حياة المدينة والبادية ؛ تحاصرني الذكريات بلؤم واضح .
رحمة الله على سيد أحمد ولد اج 
وإنا لله وإنا اليه راجعون .
البقاء لله.

08:18 - 2024/03/01