سلط تلفزيون فرنسا 24 الضوء على معدن العرفان بولاية آدرار، إحدى معالم موريتانيا السياحية والثقافية، والتي تعد نموذجا للتعايش السلمي في البلاد.
وفي تقرير يحمل عنوان "في قلب صحراء موريتانيا، واحة خضراء تزرع المساواة" أكدت قناة فرنسا 24، أن واحة معدن العرفان، وهي واحة خضراء تقع في أعماق الصحراء الموريتانية الشاسعة، حيث العيش الجماعي والروحانية والزراعة المستدامة هي مفاتيح الوجود المتناغم.
المرشد الروحي الصوفي محمد الأمين سيدينا أسس قرية في هذه البقعة النائية في وسط الصحراء في عام 1975، وأطلق عليها اسم معدن العرفان.
سيدينا بنى على قطعة أرض خصبة تطل عليها تلال صغيرة مجتمعًا قائمًا على المساواة والأخوة والتسامح والعمل الجاد، وبعد أكثر من عشرين عامًا من وفاة الشيخ، لا يزال إرثه قائمًا.
نماذج محلية..
يؤكد جبريل نيانغ (70 عاما) الذي وصل من السنغال قبل خمسين عاما ولم يغادر البلاد أبدا: "هنا المساواة.. لا توجد طبقة أو عرق"، "نحن جميعًا إخوة.. إذا احتاج أحد إلى شيء، فنحن جميعًا نعمل معًا لمساعدته".
وفي موقع أقدم مبنى في القرية، يتذكر الإمام طه سيدينا رؤية والده لمعدن العرفان .. وقال "كل مساء، كان أفراد القرية يجتمعون للتخطيط لبرنامج اليوم التالي سواء كان حفر بئر، أو إنشاء طريق، أو زراعة شجرة نخيل".
بناء القرية..
يؤكد التقرير أن القرية نمت بيتا بعد بيت، حيث قام السكان في البداية ببناء سد صغير للاحتفاظ بالمياه، ثم قاموا بتخطيط الحقول وتأسيس مدرسة وعيادة مجتمعية.
وأضاف التقرير أن الضيافة تشكل أحد المبادئ الأساسية لفلسفة الشراكة المجتمعية في القرية، حيث يتولى مركز الزوار الترحيب والإيواء والتغذية لكل من يمر عبره.
لن أغادر مطلقا..
ويؤكد التقرير أنه في حين أن معظم القرى المحيطة تفقد سكانها، فإن المعدن تزدهر، حيث تتوسع الأراضي الصالحة للزراعة في المجتمع يومًا بعد يوم، بمساعدة الرياح التي تدفع الرمال بعيدًا عن الحقول.
وقال المزارع محمد ولد فايد (45 عاما) وهو يعرض بفخر محصوله من الطماطم والفلفل والبصل والجزر والبطيخ الذي زرعه باستخدام تقنية الري بالتنقيط: "حصاد هذا العام ممتاز".. "لن أترك المعدن أبدًا، لا يوجد مكان مثلها"، وفق قوله.
يعلم فايد في الزراعة مثل معظم أبناء القرية، الذين قاموا بتحويل ممارساتهم الزراعية بفضل التقنيات التي جلبها بيير رابحي، رائد الزراعة العضوية في فرنسا.
سافر رابحي إلى موريتانيا في عام 2018، قبل ثلاث سنوات من وفاته، ووقع في حب معدن العرفان، فنجح في نقل عادات الزراعة البيئية إلى السكان المحليين، كما تم استبدال الأسمدة الكيماوية بالسماد العضوي، وحلت الألواح الشمسية محل المضخات التي تعمل بالوقود، مما سمح للقرية بأن تصبح مكتفية ذاتيا تقريبا.
كما قام رابحي بتسليم آلة طحن الحناء، وهو ما يعني أن النساء يمكنهن معالجة النبات المحلي لصناعة مستحضرات التجميل عندما لا يشاركن في الحرف اليدوية أو الزراعة أو التجارة.
وتقول زينب مينتو بوبو (57 عاما) رئيسة التعاونية الزراعية النسائية: "هنا، تستطيع المرأة أن تزرع الأرض، وترتدي الأحذية، وتقوم بأعمال يدوية.. الأمر مختلف عن القرى الأخرى".
على حافة القرية، وبينما كانت الشمس تغرب خلف الكثبان الرملية، أشعل محمد ولد علي عابدين نارًا صغيرة وأعد الشاي، وسرعان ما انضم إليه عدد قليل من الأصدقاء.. واستعدت جماله لقضاء الليل في مكان قريب. بالنسبة لعبدين وزوجته وأطفاله السبعة، فإن معدن هي موطنهم ومستقبلهم.