أكد رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني، أن ما يشهده العالم اليوم، من صدمات عنيفة، وأزمات غير مسبوقة، على مختلف الأصعدة، يضعف كثيرا من قدرة الدول على الوفاء بالتزاماتها الجماعية في إطار أجندة 2030.
وأوضح الغزواني، خلال كلمته أمام الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الظرف الدولي القائم، بالغ الأثر السلبي، على جهود تحقيق التنمية المستدامة، خاصة في قارتنا الأفريقية، التي تعاني أصلا من اختلالات وعوائق، بنيوية وظرفية، تعيق جهودها الإنمائية، وتبطئ وتيرة تقدمها على طريق تحقيق أجندتي 2030 و2063 المتناغمتين.
وأردف الغزواني أن أفريقيا ما تزال تعاني الفقر والهشاشة والبطالة، وضعف المنظومات الصحية والتعليمية، من حيث الجودة والشمول، ناهيك عن تفشي الإرهاب، والنزاعات المسلحة، وتعاظم الآثار الهدامة للتغيرات المناخية.
وأشار الغزواني، الذي يتولى منذ فبراير الماضي رئاسة الاتحاد الأفريقي، إلى أن قتامة المشهد الأفريقي، تؤكد بقوة، الحاجة الملحة، إلى تخفيف عبء مديونية الدول الأفريقية الهائل، وتصحيح الاختلالات الجلية في منظومة المساعدة الإنمائية، وفي الحكامة الدولية، السياسية والمالية، وإلى تعزيز التعاون المتعدد الأطراف عموما، ما يساعد على إقلاع القارة الاقتصادي بنحو يضاعف فعالية ما تبذله من جهود، في سبيل الوفاء بالتزاماتها الدولية.
التنمية في موريتانيا
وشدد الغزواني، على أن موريتانيا جعلت من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، هدفا مركزيا تتكامل في العمل على تحقيقه كل سياسات الدولة العمومية.
ونبه الغزواني إلى أن بلادنا تمكنت، وإن بنحو طفيف، من تحسين، مؤشرات العديد من أهداف التنمية المستدامة، كما يعكس ذلك تحسن ترتيبنا بين الدول في التقرير الأممي حول التنمية المستدامة 2024.
وأوضح الغزواني، أن هذا التحسن جاء نتيجة لجهد مكثف لتكريس دولة القانون والمؤسسات القوية، وترقية الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية، واعتماد سنة الحوار والتشاور أسلوبا ثابتا لإدارة الشأن العام، ودعم استقلالية القضاء واعتماد الشفافية، ومحاربة الرشوة وكل أشكال الفساد إداريا كان أو ماليا، والجهود المتواصلة لحماية وترقية حقوق الإنسان.
الأمن والتنمية
وأشار الغزواني إلى أن التنفيذ الناجع لاستراتيجيتنا الأمنية المندمجة، وما تم توفيره من أمن وسلم واستقرار على رغم ما فشا في المحيطين الإقليمي والدولي من عنف وإرهاب وتأزم سياسي واجتماعي، كان سببا أيضا في هذا التحسن.
ونوه الغزواني كذلك، بما شهدته موريتانيا من عناية لدور الشباب في النهوض بالدول ودفع عجلة النماء والتطور، من خلال وضع الخطط والاستراتيجيات، الكفيلة بتكوينه وتأهيله، ودمجه في الحياة النشطة، وتعزيز حضوره، في مختلف مواقع تدبير الشأن العام.
الهشاشة والتعليم..
وأردف الغزواني أن عمليات الإصلاح والتنمية هذه كان لها دور إيجابي، في تكريس وحدتنا الوطنية، وتوطيد لحمتنا الاجتماعية، كما تم العمل على تعزيزهما بجهد مكثف في سبيل القضاء على مختلف مظاهر الإقصاء والهشاشة، عبر بناء شبكة أمان اجتماعي واسعة ومتنوعة تهدف إلى تخفيف عبء إكراهات الحياة اليومية على الفئات الفقيرة، وتعزيز قدرتها على الصمود، وتمكينها من النفاذ إلى كل الخدمات العمومية.
واستدرك الغزواني أن بلادنا أطلقت عملية إصلاح واعدة للمنظومة التربوية، هدفها تأسيس مدرسة جمهورية تجسد قيم المساواة والإنصاف، وتضمن للجميع في ظروف متماثلة تعليما ذا جودة عالية، يكون رافعة للترقية الاجتماعية.
يضيف الغزواني خلال كلمته: "وبالموازاة مع ذلك، ضاعفنا الجهود من أجل توسيع نطاق عرض الخدمات الصحية وتحسينها، وضمان الولوج إلى الأدوية، وأنشأنا صندوقا لتحمل أعباء التأمين الصحي عن المواطنين غير المشمولين في برامج التأمين التقليدية، هذا إضافة إلى توفير مجانية بعض الخدمات الطبية الأساسية خاصة للأمهات والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة".
التكيف المناخي
وألمح الغزواني إلى أن بلادنا تكيفت مع التغييرات المناخية، والتحديات البيئية، وما لها من انعكاسات سلبية على كوكبنا، وبما لها كذلك من تأثير اقتصادي واجتماعي ذي تداعيات سياسية وأمنية قوية، خاصة في القارة الإفريقية عموما، ومنطقة الساحل بوجه أخص.
وأكد الغزواني أن موريتانيا عملت على خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 11%، ورفع نسبة الطاقات المتجددة في إجمالي استهلاكنا الطاقوي إلى 50%، في أفق 2030، وستتعزز جهودها في هذا المجال ببرنامج واسع لتطوير الهيدروجين الأخضر.
وأضاف أن جهود موريتانيا في ترقية الطاقات النظيفة جعلتها تغطي اليوم نسبة48% من مجموع الطاقات المستخدمة، كما أنها مستمرة في مكافحة التصحر، في إطار مبادرة السور الأخضر الكبير، واللجنة المشتركة لمكافحة آثار الجفاف في منطقة الساحل.
السياسة الخارجية
وتحدث الغزواني عن السياسة الخارجية الموريتانية، مؤكدا أن موريتانيا لديها قناعة راسخة بأن التعاون بين الدول، لا يكون مثمرا وفعالا إلا بقدر ما يكون قائما على الصداقة والثقة والاحترام المتبادل.
وشدد على أن موريتانيا بنت سياستها الخارجية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعمل على تعزيز التعاون والصداقة، وصيانة السلم والأمن الدوليين، ودعم القضايا العادلة بميزان القانون الدولي، ومواثيق الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
العدوان على غزة
كما أدان الغزواني، بقوة، حرب الإبادة الجماعية، التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، في خرق سافر، للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني.
وطالب رئيس الجمهورية بوقف حرب الإبادة بشكل فوري، مشددا على التمسك بحق الشعب الفلسطيني، في الكرامة والسيادة، في إطار دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، طبقا لمبادرة السلام العربية، والقرارات الدولية ذات الصلة.
كما أعرب الغزواني عن استنكاره وإدانته، لما يجري حاليا من اعتداءات إسرائيلية على لبنان، مطالبا بوقفها الفوري.
الأزمات العربية
وفيما يخص الأزمات في المنطقة العربية، دعا الغزواني إلى إيجاد حل يصون وحدة وسيادة دولة ليبيا الشقيقة، وتعزيز الجهود الأفريقية ودعم الجهود الدولية في هذا الصدد، كما أعرب عن دعمه لأمن واستقرار السودان الشقيق وسيادة وسلامة أراضيه، والدعوة إلى تغليب لغة الحوار والعقل، لحل المشاكل المطروحة، بما يفضي لوقف فوري للحرب، وينهي المعاناة الإنسانية للشعب السوداني ويضمن احترام القانون الدولي الإنساني.
كما جدد التأكيد على السعي الجاد للوصول إلى حل سياسي يصون وحدة الجمهورية العربية السورية واستقلالها وكرامة شعبها وحقه في العيش في أمن وسلام، ودعم الشرعية في اليمن والدعوة إلى انتهاج سبل الحل السلمي وفقا للمبادرات العربية والقرارات الدولية ذات الصلة.
وفيما يخص النزاع في الصحراء الغربية، أكد الغزواني على موقف موريتانيا الثابت من النزاع ودعم جهود الأمم المتحدة، ولكل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة الرامية إلى إيجاد حل مستدام ومقبول لدى الجميع.
الحرب الروسية الأوكرانية
وأعرب رئيس الجمهورية عن قلقه، من استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، مطالبا بحل ينهي الحرب، ويراعي انشغالات الطرفين، وفقا للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، ويجنب المنطقة والعالم، مزيدا من المآسي والدمار.
واختتم الغزواني خطابه بالدعوة إلى تعزيز الثقة العالمية وتكثيف التعاون متعدد الأطراف، وإسراع إصلاح قواعد الحكامة الدولية، السياسية والمالية، بنحو يجعلها أكثر عدلا وتوازنا وإنصافا.