تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

البحث

التأخر في إنجاز مشاريع البناء والأشغال العمومية وسبل المعالجة.. 

تُعَد مشاريع البناء والأشغال العمومية من الركائز الأساسية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية في أي بلد.
في مقابل الدراسة الفنية لهذه المشاريع ، قبل الشروع في تنفيذها  تبرز إدارتها كعلم يعهد إليه بتنظيم المشروع من بدايته إلى نهايته.
في الحضارات القديمة، مثل مصر القديمة وبابل، كانت المشاريع الكبرى مثل بناء الأهرامات والمعابد ،تتطلب تنسيقًا كبيرا. استخدم المصريون أساليب تنظيمية لإدارة العمل والموارد، وكان لديهم جداول زمنية وأدوار محددة للعمال.
وخلال العصور الوسطى، تطورت إدارة المشاريع في أوروبا مع بناء الكاتدرائيات والقلاع. ظهرت الحاجة إلى التخطيط والتنسيق بين الحرفيين والعمال، مما أدى إلى تطوير أساليب جديدة في إدارة الأعمال والمشاريع.
في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، أدت الثورة الصناعية إلى تعقيد المشاريع بشكل أكبر، مما تطلب تحسينًا في أساليب الإدارة. بدأ استخدام مبادئ الإدارة العلمية من قبل شخصيات مثل فريدريك تايلور، الذي أسس أسس تحسين الكفاءة والإنتاجية.
في الخمسينيات والستينيات، شهدت إدارة المشاريع تطورات كبيرة مع إنشاء مناهج وأساليب جديدة. تم تطوير أسلوب "المخطط الشبكي" (PERT) و"طريقة تحليل المسار الحرج" (CPM)، مما ساهم في تحسين تخطيط وتنفيذ المشاريع.
مع تزايد تعقيد المشاريع، تم تأسيس معايير أكثر تنظيمًا، مثل دليل إدارة المشاريع من معهد إدارة المشاريع (PMI) في عام 1969. بدأ التركيز على مهارات القيادة والتواصل كجزء أساسي من إدارة المشاريع.
مع التطور التكنولوجي، أصبحت أدوات إدارة المشاريع الرقمية أكثر انتشارًا. البرمجيات مثل Microsoft Project وAsana ساعدت في تسهيل التخطيط والتنفيذ. كما ظهرت منهجيات جديدة مثل "أجايل" و"سكروم"، التي تركز على المرونة والتكيف مع التغيرات.
تقوم إدارة مشاريع البناء والأشغال العمومية على توظيف الموارد وتحديد الجدول الزمني للمشروع,والتحكم في الميزانية. 
ويحدد نجاح أي إدارة لمشروع بتحقيق ثلاثة أهداف  : تسليم المشروع وفقا للمواصفات المتفق عليها في دفتر الإلتزامات ، عدم تجاوز الميزانية المخصصة ، إحترام الجدول الزمني.
 تواجه مشاريع البناء والأشغال العمومية العديد من التحديات التي تؤدي إلى تأخرها. وفيما يلي أبرز الأسباب والعوامل المساهمة في هذه المشكلة:
1. الإدارة غير الفعالة
تعتبر الإدارة أحد الأسباب الرئيسية لتأخر المشاريع. نقص الكفاءة في التخطيط والتنظيم يمكن أن يؤدي إلى تفشي الفوضى وتأخير التنفيذ. ضعف التنسيق بين الفرق المختلفة يساهم أيضًا في عرقلة سير العمل.
2. مشاكل التمويل
تعتمد مشاريع البناء على تأمين التمويل اللازم في الوقت المناسب. التأخير في الحصول على التمويل أو الزيادة في التكاليف يمكن أن يؤدي إلى توقف العمل أو تباطؤه.
3. المشكلات اللوجستية
تتضمن هذه المشكلات تأخير تسليم المواد، ونقص في المعدات، وعدم توفر العمالة المدربة. أي خلل في سلسلة الإمداد يمكن أن يعرقل سير العمل ويؤدي إلى تأخير المشروع.
4. التغيرات في المواصفات أو التصاميم
أحيانًا، تتطلب ظروف معينة تعديلات في التصميم أو المواصفات، مما يؤدي إلى إعادة تقييم المشروع. هذه التغيرات يمكن أن تستغرق وقتًا طويلاً وتؤثر على الجدول الزمني.
5. العوامل المناخية
الظروف المناخية القاسية مثل الأمطار الغزيرة أو العواصف يمكن أن تؤثر سلبًا على سير العمل، مما يؤدي إلى تأخيرات غير متوقعة.
6. المسائل القانونية والإدارية
قد تؤدي النزاعات القانونية إلى تأخير بدء المشاريع أو تنفيذها. التراخيص والتصاريح المطلوبة قد تستغرق وقتًا طويلاً للحصول عليها.
العوامل المساهمة في القضاء على التأخير:
للتغلب على هذه التحديات، يمكن اتخاذ عدة خطوات:
1. تحسين التخطيط والإدارة  عبر تطبيق أساليب إدارة المشاريع الحديثة مثل "إدارة المخاطر" و"التخطيط الديناميكي" يمكن أن يساعد في توقع المشاكل وتخفيف آثارها.
2. تأمين التمويل المبكر و التخطيط المالي الجيد والتواصل مع المستثمرين والبنوك يمكن أن يسهل تأمين التمويل في الوقت المناسب.
3. تطوير اللوجستيات و تحسين سلسلة الإمدادات من خلال بناء شراكات قوية مع الموردين يمكن أن يسهم في تسريع عملية تسليم المواد والمعدات.
4. مرونة التصميم مت خلال  تطوير تصاميم مرنة وسهلة التعديل يمكن أن يساعد في الإستجابة للتغيرات بشكل أسرع.
5. إستخدام التكنولوجيا  بواسطة توظيف تطبيقات  التقنيات الحديثة مثل نظم المعلومات الجغرافية (GIS) وأدوات إدارة المشاريع الرقمية ،يمكن أن يعزز الكفاءة ويسهل مراقبة سير العمل.
6. التعاون مع الجهات الحكومية و التنسيق الجيد مع الهيئات الحكومية للحصول على التصاريح اللازمة بسرعة، يمكن أن يقلل من الوقت المستغرق في الإجراءات القانونية.
خصوصية مشاريع البناء والأشغال العمومية تتمثل في كونها تمر بالعديد  من المراحل المتداخلة والمتسلسلة، في ظل تعدد الشركاء والمتدخلين  لذلك فإنها تحتاج لمجهودات وتخصصات فنية مختلفة ومستوى مرتفع من التنسيق بين هذه الأطراف خلال كل هذه المراحل. 
إن التأخر الذي يحصل في  مشاريع البناء والأشغال العمومية يتطلب تكاتف جهود  جميع المعنيين وعملهم على تحسين الإدارة، وتأمين التمويل، وتطوير اللوجستيات، وتبني التكنولوجيا،  مساهمة في تنفيذ المشاريع  في الوقت المحدد، مما ينعكس إيجابًا على التنمية الإقتصادية والإجتماعية في البلد.

محمد محمود ولد الصيام، مهندس مدني

14:08 - 2024/11/02