تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

البحث

الوزير الأول للمأمورية الثانية.. من يكونُ رجل المهمّة الصعبة؟  

يُقسم الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني، صباح الخميس فاتح أغسطس 2024، على احترام الدستور، ومن مقتضيات الدستور أن يعين وزيرا أول سيحمل الرقم 3 في مساره الرئاسي، ورقم 1 في مأموريته الرئاسية الثانية.

 

انتخب الغزواني في الـ 29 من يونيو الماضي، بنسبة 56,12 %، وقبل إعلان النتائج المؤقتة، أعلن منافسه الذي حل ثانيا، بيرام الداه اعبيد، رفضها داعيا أنصاره للنزول للشارع، وبعد ساعات فقط اندلعت أحداث، وصفتها الداخلية بـ"أعمال الشغب" ووصفها بيرام بـ"مظاهرات الشعب"، أسفرت عن مقتل 3 أشخاص في كيهيدي، قضوا في أماكن الاحتياز "المتوفرة" وفق بيان رسمي. لكن هذا الحدث السياسي والأمني لم يحظ باهتمام الموريتانيين كما حظي السؤال: من سيكون الوزير الأول؟

 

لا حديث يعلو، هذه الأيام، في أروقة الإدارة الموريتانية، وفي صالونات السياسة بنواكشوط، وحتى في الشارع عن التكهنات بمن سيكون الوزير الأول؟ من أي جهة؟ من أي شريحة؟ من أي تيار سياسي؟ سؤال "من" ذا الطابع الشخصي، طغى على نحو مثير للعجب، على أسئلة الجوهر والمعنى، وهي كثيرة، لعل أبرزها؛ ما المهمة التي تنتظر الوزير الأول، أو "رأس الإدارة"؟ وما المواصفات المطلوبة فيه؟ وهي أسئلة على أهميتها، تبدو على الهامش في الجدال المحتدم حاليا.

 

 

سياق مقلق..
تمر موريتانيا بمرحلة تحول جذرية، فعلى المستوى الإداري، هناك جيل يغادر الإدارة بفعل "التقاعد" الذي لا يستثني أحدا، وهناك مطالب متزايدة على الخدمات العامة، وهناك فجوة في اتساع بين متطلبات السوق ومواصفات الأشخاص، وفوق ذلك، هناك تحويلات جيوستراتيجية محلية وإقليمية "مقلقة"، فضلا عن حالة من "العدمية" تغزو الفضاء العام، دون هوداة، وتجعل كل شيء بلا معنى، وتدخل "لو" في كل قضية.

 

كما أن التوازنات بمختلف أنواعها أصبحت طاغية وضاغطة، وتسبق التفكير في أي خيار، وهو ما يُعقّد مهمة اختيار الأشخاص انطلاقا من توصيف الوظائف؛ وهذا ينتصر الأشخاص على المهام. والشكل على الجوهر.

 

هذا السياق المقلق، يحتاج أجوبة، وقرارات، وقدرة على الصمود، يجب قبل ترشيح فلان للمهمة، أن يكون لديه جواب، وتصور، وقرار، وقدرة على تحمّل المهمة بما لها من صلاحيات ووسائل دستورية وقانونية وما عليها من مسؤولية وتبعات. وإلا فإن الزمن الجديد لا يسمح بالتجربة، ولا يسمح بالذهاب إلى المجهول.

 

 

المهام الصعبة..
لعل من أبرز المهام التي تنتظر الوزير الأول القادم؛ أنه مطالبُ بتحسين الوضع المعيشي على نحو ملموس وسريع، وهو ما يتطلب أن تكون لديه قوة دفع قادرة على تحقيق "شيء ملموس" وأن يكون مُقنعا، وشغوفا، يملك رصيدا لم تستنزفه بعدُ المعارك الهامشية وأقاويل صالونات نواكشوط، وقادرا على بيع "الأمل" بسعر معقول، ذلك الأمل الذي يكاد يتلاشى لدى قطاع مهمّ خاصّة من الشباب الذي يُلقى بنفسه نحو المجهول في هجرة قاسية نحو أقاصي الدنيا.

 

ثم إنه مطالب بتحسين الخدمات العامة، على نحو لا يقل سرعة عما سبق، وخاصة خدمات الماء والكهرباء، والصحة، ثم التعليم، وهذه ملفات شائكة، فيها "مصالح" و"مطامح" لا يقدر على المساس بها، سوى صاحب عزم نافذ، وتجربة كافية، ومن يملك قدرة إقناع سحرية، ومقدرة قمع قوية. لأن أصحاب "المصالح" و"المطامح" سيُحْدثون ضجيجا كثيرا، وسيطلقون اتهامات تصل إلى الشرف. ومن لا تجربة له في هذا السياق سينهزم نفسيا عند المنعرج الأول.

 

وثالثة الأثافي هي إصلاح ما أفسد الدهر، أو بكلام آخر، إصلاح منظومة "مكافحة الفساد"، وتحريرها من الشوائب والتمييع، أو على الأقل، السعي بكل ما أوتي من قوة لكي يوقف "كبائر الفساد".

 

ثم إنه معني بأن يكون وزيرا أول، لا أن يكون زميلا لنحو 30 من أصحاب المعالي، عادة يستنقصون من دور الوزير الأول، وينظرون إليه كمنسق لعملهم لا كرئيس لهم، ويذاكرون من ورائه، متى ما أتيحت الفرصة.

 

 لا شك أنها مهام صعبة، وملحة، وتتطلب صلاحيات واسعة، وهامش تحرك معتبر، لكن التجارب الماضية أثبتت أن الغزواني، يمنح من الصلاحيات ما لا يمنح غيره، ولا شك أنه سيكون المستفيد الأول من تحقيق ما سبق ذكره، حتى يتفرغ للملفات الأهم، في المأمورية الثانية، وهي قضايا الأمن الداخلي والخارجي. ثم قضايا السياسة الكبرى وخاصة ترتيبات 2029.

 

الغزواني نفسه بدا واضحا، خاصة في خطاب نواذيبو، حين تحدث عن الأمن، فغضب وهو رجل هادئ، ثم صرح ولم يلمح، في خطاب اختتام حملته، فتحدث عن ثنائية الحلم والجهل. لذلك، فغالب الظن أن وقته سينصب على هذا الهدف الكبير، تساعده على ذلك خبرة طويلة في العمل الأمني العسكري، و5 سنوات من الرئاسة، تلقى خلالها آلاف الرسائل، والمعلومات، والمعطيات، ثم إنه عرف الرجال.

 

هل سيقع الاختيار، بعد نحو 20 يوما من الآن، على رجل "المهام الصعبة" أم أن أصحاب "المصالح"، الكبيرة والصغيرة، سيحركون هنا وهناك، لخلط الأوراق، وخلط ما هو شخصي بما هو تاريخي، بما هو نفسي، لتضييع فرصة أخرى؟

 

الأكيد أن الغزواني رجل حكيم، ولديه من التجربة، وأمامه من التحديات؛ ما يجعله يختار رجل "المهام الصعبة"، لا رجال الصدف واللحظة الأخيرة والتوازنات.

18:30 - 2024/07/11